الرئيسية الصفحة الرئيسية الوضع القانوني في فلسطين

الوضع القانوني في فلسطين



مقدمة:
يعتبر الوضع القانوني في فلسطين، بالمقارنة مع دول العالم، من الأوضاع المعقدة والنادرة في آن واحد. ويعود ذلك إلى تعدد الجهات التي حكمت فلسطين عبر التاريخ، والذي أدى بدوره إلى تنوع الأنظمة القانونية التي سادت فيها. وقد أثر كل ذلك على البناء السياسي والقانوني في فلسطين، إذ أدى تقسيم فلسطين إلى ظهور أنظمة قانونية مركبة ومختلفة في كل من الضفة الغربية وغزة والقدس والأجزاء المحتلة في عام 1948 من فلسطين.

وحتى نهاية الحكم العثماني في عام 1917، كان النظام القانوني في فلسطين مبنيا – بشكل أساسي – على مبادئ الشريعة الإسلامية ومتأثرا بالنظام اللاتيني في أوروبا.

في عام 1917، انتهى الحكم العثماني بقيام الانتداب البريطاني، وقد أعاد هذا الأخير تشكيل النظام القانوني في فلسطين مضيفا إلى التقنين العثماني مبادئ النظام الأنجلوسكسوني (القانون المشترك common law ) القائم على السوابق القضائية.

في عام 1948، أصبحت الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية تحت حكم المملكة الأردنية الهاشمية وخضعت للنظام القانوني الأردني المتأثر بالنظام اللاتيني، وأصبح قطاع غزة تحت الإدارة المصرية؛ واستمر نظام القانون المشترك ( common law ) المؤسس في فترة الانتداب البريطاني سائدا فيه.

بعد حرب عام 1967، سيطر الاحتلال الإسرائيلي على النظام القانوني الفلسطيني من خلال فرض القانون العسكري (الأوامر العسكرية) في منطقتي الضفة الغربية وقطاع غزة، وإخضاع القدس الشرقية للقانون المحلي للمحتل الإسرائيلي بعد ضمها في عام 1980.

أخيرا، وبموجب إعلان المبادئ لترتيبات المرحلة الانتقالية في عام 1993 ( الذي يعرف باتفاق أوسلو 1) أنشئت السلطة الفلسطينية، وتم وضع الأسس للاتفاقيات الفلسطينية-الإسرائيلية اللاحقة المنظّمة لسلطات وصلاحيات السلطة الجديدة. وتعد مسألة توحيد وتقريب الأنظمة القانونية المختلفة السائدة في المناطق الفلسطينية من أهم المسائل على الصعيد القانوني، ومنذ العام 1994 يجري سن تشريعات موحدة لكل من محافظات الضفة الغربية وغزة.
.
الحكم العثماني في فلسطين: 1516 - 1917
كانت فلسطين جزءا من الإمبراطورية العثمانية، وطبق فيها النظام القانوني العثماني اكثر من أربعمائة عام، واستمر حتى نهاية عام 1917 منتهيا بالاحتلال البريطاني للقدس بتاريخ 9/12/1917.

ويشير التاريخ القانوني (التشريعي) العثماني إلى وجود فترتين أساسيتين: أولهما، الفترة من عهد تأسيس الإمبراطورية وحتى عهد التنظيمات ( عام 1839)، وثانيهما، الفترة من عهد التنظيمات حتى 1917.

وخلال الفترة الأولى كان النظام القانوني العثماني مبنيا أساسا على مبادئ الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي والأعراف والقرارات الصادرة عن السلطان (الحاكم). ولكن الأحداث التي شهدها القرنين السابع والثامن عشر أضعفت الإمبراطورية العثمانية، الأمر الذي أدى إلى بروز فترة إصلاحية عرفت بـ "عهد التنظيمات ".

ومنذ بداية عام 1839، هدفت التنظيمات الإصلاحية إلى مركزة، تحديث، والى حد ما علمنة الإمبراطورية العثمانية. وقد تبنت الإمبراطورية بعض التقنينات الغربية (على سبيل المثال قانون التجارة الفرنسي)، وذلك من أجل زيادة النشاط التجاري بين الإمبراطورية وأوروبا. وقد دفعت التنظيمات الإصلاحية الإمبراطورية إلى تقنين الأحكام القائمة على الدين والأعراف والقانون السلطاني، الأمر الذي نتج عنه سن تشريعات هامة لا زالت سارية المفعول في فلسطين حتى يومنا هذا، من أبرزها قانون الأراضي لعام 1857 ومجلة الأحكام العدلية.


الإنتداب البريطاني على فلسطين: 1918 - 1948
احتلت فلسطين بشكل كامل من قبل الجيش البريطاني في عام 1917، وتم انتداب بريطانيا عليها من قبل عصبة الأمم. وتم إدارة الانتداب في فلسطين بواسطة المندوب السامي البريطاني الذي مارس بالكامل جميع السلطات الإدارية والتشريعية فيها.

شهدت هذه الفترة – 30 عاما – نشاطا تشريعيا واسعا، الأمر الذي أفرز تشريعات متعددة في مختلف المجالات في فلسطين. كما ظلت القوانين العثمانية السارية المفعول حتى عام 1917 قائمة مع مراعاة ما جرى عليها من تعديل أو استبدال بموجب قوانين الانتداب البريطاني. وقد أعادت حكومة الانتداب تشكيل النظام القانوني بتحويله من النظام العثماني اللاتيني إلى النظام الانجلوسكسوني (القانون المشترك البريطاني).

وفي عام 1933، كلّف روبرت هاري درايتون المسمى آنذاك بـ " مدوّن حكومة فلسطين " بجمع وتحرير تشريعات الانتداب البريطاني في ثلاثة مجلدات، وقد تضمن هذا العمل جمع وفهرسة القوانين والمراسيم والأنظمة والأصول...الخ الصادرة في فلسطين والقوانين والمراسيم الملكية البريطانية التي طبقت فيها. وبعد حرب 1948، وقع ثلاثة أرباع فلسطين تحت السيطرة الإسرائيلية، في حين حكمت الأردن الضفة الغربية ووقع قطاع غزة تحت السلطة المصرية.


الحكم الأردني في الضفة الغربيـة: 1948 - 1967
بعد حرب عام 1948، أصبحت الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية تحت الحكم الأردني. وفي عام 1948، أعلن الحاكم العسكري الأردني استمرار سريان القوانين والتشريعات الأخرى المطبقة في فلسطين إلى المدى الذي لا تتعارض فيه مع قانون الدفاع عن شرق الأردن لعام 1935.

وفي عام 1949، أعادت الإدارة المدنية الأردنية نظام الحكم المدني إلى الضفة الغربية بموجب قانون الإدارة العامة على فلسطين. وفي عام 1950، تم توحيد الضفتين الغربية والشرقية لنهر الأردن رسميا، كما تم التأكيد على استمرار سريان القوانين السارية المفعول في الضفة الغربية في نهاية فترة الانتداب البريطاني إلى حين استبدالها بقوانين أردنية.

وفي الفترة ما بين عامي 1950 - 1967 تألف البرلمان الأردني من عدد متساو من النواب من كلا الضفتين، كما شهدت تلك الفترة نشاطا تشريعيا واسعا أدى إلى حدوث تحول في النظام القانوني السائد في الضفة الغربية من النظام الانجلوسكسوني (القانون المشترك) إلى النظام اللاتيني.


الإدارة المصرية في قطاع غزة: 1948 - 1967
بعد حرب عام 1948، أدير قطاع غزة من قبل مصر ولم يتم ضمه إليها. وبالتالي، فإن عددا قليلا من التشريعات المدنية المصرية كان ساري المفعول في قطاع غزة. وقد حكمت القوات العسكرية المصرية قطاع غزة، وذلك بإدارة كافة الدوائر العامة والشؤون المدنية فيه. وفي عام 1957، تحولت السلطة العسكرية في القطاع إلى سلطة مدنية بإنشاء المجلس التشريعي لقطاع غزة.

وفي عام 1962، عين المجلس التشريعي أول رئيس فلسطيني له مكملا نقل السلطة القانونية من السيطرة المصرية إلى السيطرة الفلسطينية. وفي عام 1962 أيضا ، قام المجلس التشريعي لقطاع غزة بإضفاء صفة الدستور على قانونين أساسيين هما: قانون عام 1955، والنظام الدستوري عام 1962، وقد نشرت كمجموعة لأول مرة في " صحيفة الشرق الأوسط " عدد شتاء-ربيع عام 1963. وقد عكس الدستور القائم ملامح القانون العثماني والقانون المشترك البريطاني السائدين في فلسطين في الفترات السابقة. وبنظرة سريعة، يلاحظ بأن النظام القانوني السائد في غزة قبل عام 1948 لم يتغير على نحو كبير خلال فترة الإدارة المصرية.


الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة: 1967 - الآن
بعد حرب عام 1967، احتلت القوات الإسرائيلية قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية. وقد أعلن "قائد المنطقة" – رئيس القوات الإسرائيلية المحتلة السيطرة على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في المناطق المحتلة.

بادئ ذي بدء، صدر الأمر العسكري رقم 2 لسنة 1967، وقد نص على إلغاء أية قوانين سارية المفعول في المناطق المحتلة في حال تعارضها مع الأوامر الصادرة عن إدارة الاحتلال. وبعد نشر الأمر العسكري رقم 947 لسنة 1981، نقلت جميع الصلاحيات القانونية والإدارية إلى ما سمي بـ " الإدارة المدنية " التي أسست حديثا في حينه. ومنذ بدء الاحتلال احتفظت المحاكم العسكرية واللجان العسكرية المشكلة بولاية كاملة على قضايا في مسائل جنائية معينة وجميع منازعات الأراضي والضرائب والمصادر الطبيعية والأمور المالية. وبشكل عام، تناولت الأوامر الصادرة خلال فترة الاحتلال بالتنظيم كافة جوانب الحياة، وقد اختلفت في الضفة الغربية بعض الشيء عنها في قطاع غزة. ومنذ عام 1967، صدر في الضفة الغربية وقطاع غزة ما يقارب الـ 2500 أمر عسكري بالإضافة إلى عدة أوامر أخرى لم يتم نشرها.

ووفقا للتشريعات العسكرية منذ عام 1967، فإن المستوطنين الإسرائيليين داخل المناطق المحتلة لم يخضعوا إلى قوانين قائد المنطقة أو الإدارة المدنية، وإنما للقانون المحلي الإسرائيلي. وبذلك وسعت الحكومة الإسرائيلية من مفهوم التوطن الإسرائيلي ليشمل المستوطنات التي أقيمت في المناطق المحتلة. ولعمل ذلك، ادعت تلك الحكومة بأن المستوطنات لا تعتبر جزءا من المناطق المحتلة، كما قامت بفصل النظام القانوني المطبق في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين عن ذلك المطبق في المستوطنات.


السلطة الوطنية الفلسطسنية: 1994 - الآن
وفقا لاتفاق إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكومة الذاتية الانتقالية لعام 1993 (يسمى باتفاق أوسلو 1)، جرى توقيع العديد من الاتفاقيات التي هدفت إلى نقل بعض الصلاحيات من إدارة الاحتلال الإسرائيلي إلى السلطة الفلسطينية في أجزاء جغرافية معينة من الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين. وكان من أبرز هذه الاتفاقيات: اتفاق غزة – أريحا الموقع في القاهرة عام 1994، واتفاق واشنطن (أوسلو 2) الموقع بتاريخ 28 أيلول 1995 القائم حاليا.

وقد تناولت الاتفاقيات العديد من المسائل، من أبرزها: انتخاب المجلس الفلسطيني، إعادة انتشار القوات الإسرائيلية، نقل الصلاحيات والمسؤوليات المدنية، حرية التنقل للإسرائيليين، المسائل القانونية في المجالين الجنائي والمدني، إطلاق سراح المعتقلين، حصص المياه، مسائل الأمن والنظام العام، والتنمية الاقتصادية.

وحتى الوقت الحاضر تستمر المفاوضات التي بدأت في 4 أيار 1996، لمعالجة مسائل أساسية أخرى من أبرزها: وضع القدس، اللاجئون الفلسطينيون، المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ترتيبات الأمن، الحدود، المياه، والعلاقات الدولية.

وعلى الصعيد القانوني، أصدر رئيس السلطة الفلسطينية أول قرار له بتاريخ 20 أيار 1994 الذي قضى باستمرار سريان التشريعات والقوانين التي كانت سارية المفعول قبل 5/6/1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة. ومنذ صيف 1994، تولى مجلس السلطة الفلسطينية (السلطة التنفيذية منذ 5/7/1994، المجلس التشريعي منذ 7/3/1996) سلطة إصدار التشريعات المنظمة لمختلف جوانب الحياة العامة لأفراد المجتمع. وهدفت التشريعات الجديدة (التي بلغ عددها حتى صيف عام 2000 ما يقارب 48 قانون، 200 تشريعات أخرى) إلى تنظيم الحياة وبلورة وحدة القانون ما بين محافظات الضفة الغربية وغزة. وكان من نتائجها أيضا إلغاء الكثير من الأوامر العسكرية التي أصدرها الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وغزة.

وتنشر هذه التشريعات في الجريدة الرسمية الفلسطينية المسمّاة " الوقائع الفلسطينية ". وبالإضافة إلى التشريعات، تعنى هذه الجريدة بنشر أمور غير تشريعية. وقد صدر أول أعدادها بتاريخ 20/11/1994. وبنظرة سريعة إلى التشريعات الجديدة، يلاحظ بأنها تركز بشكل أساسي على الأمور الإدارية التنظيمية، التجارية، المالية، الأراضي، الخدمات من صحة وتعليم، والأمور السياسية (انتخابات، نقل السلطات والصلاحيات وغيرها).

وفي الجانب القضائي، تم تأسيس مجلس القضاء الأعلى بموجب القرار الصادر عن رئيس السلطة الفلسطينية بتاريخ 1/6/2000 الذي ضم مجموعة من كبار القضاة في محافظات الضفة الغربية وغزة. وفيما يتعلق بالمحاكم، فإن صورها تتمثل في: محاكم نظامية، دينية ، خاصة، ومحكمة عدل عليا تنظر في المنازعات الإدارية.

وتم استحداث عدد قليل من المحاكم الجديدة في بعض المحافظات، في حين ظل تنظيم المحاكم كما كان عليه في الفترات السابقة. ففي محافظات الضفة الغربية – على صعيد المحاكم النظامية - تعد محكمة الاستئناف المنعقدة مؤقتا في رام الله أعلى محكمة نظامية وقراراتها ملزمة للمحاكم الأدنى أدبيا، وهي تطبق القانون الساري المفعول في الضفة الغربية.

أما في محافظات غزة فتعد المحكمة العليا أعلى محكمة نظامية وقراراتها تعد بمثابة سوابق قضائية ( CASE LAW )، وهي تطبق القانون الساري المفعول في غزة (ونشير هنا إلى أن الاختلاف في القانون الساري المفعول في محافظات الضفة الغربية عنه في قطاع غزة بدأ يتضاءل مع بدء حركة التوحيد التشريعي وهو في طريقه إلى الزوال مستقبلا) .