هل يمكن أن يعود إعداد إطار دستوري بالفائدة على فلسطين
افتتح اللقاء الدكتور فراس ملحم/أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في جامعة بيرزيت معرفاً بالبروفسور ناثان بروان أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، وصاحب عدة منشورات هامة في مجال القانون الدستوري.
ومن ثم قام البروفسور بروان بشكر الدكتور على التعريف اللائق، وأعرب عن سعادته خصوصاً وأنه يجلس أمام بعض من شاركوا بصياغة نصوص القانون الأساسي الفلسطيني.
وفي سياق اللقاء القانوني أشار البرفسور بروان بأنه سوف يتحدث في مجموعة من المحاور الهامة وهي، ماهية الدستور، والتجربة الفلسطينية في صياغة الدستور، ومتى يبدأ العمل بمواد الدستور.
فعلى صعيد المحور الأول أشار البرفسور بروان إلى أن الدستور قد يكون بشكل إعلان يتسم بطول نصه، كالدستور الأمريكي والفرنسي، وفي هذا السياق أوضح البرفسور بروان بأن الدستور الأمريكي لا يعمل كما يجب، كما يتسم بتعقيد نصوصه وتناقضها في بعض الأحيان، مع أن صياغته كانت على يد خبراء لهم باع طويل في مجال القانون الدستوري.
كما تتخذ الدساتير شكل العقد الإجتماعي، ومن الملاحظ أن الدساتير تعمل بفعالية أكبر متى اتخذت شكل العقد الإجتماعي.
وعلى صعيد التجربة الفلسطينية في صياغة الدستور فقد أوضح البروفيسور بروان أنه كان عدة محاولات لوضع إطار دستوري في فلسطين منذ العام 1949، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل حتى العام 1988، ذلك أنه وعشية إعلان الدولة الفلسطينية في الجزائر تقرر تكوين لجنة تتولى صياغة مسودة الدستور الفلسطيني.
وبعد دخول السلطة في العام 1994 عملت على صياغة وثيقة مؤقتة تحدد الأطر العريضة لعمل السلطة الفلسطينية، وأصبحت هذه الوثيقة جاهزة بعد اكتمال دخول السلطة لمناطق الضفة الغربية أي مع بدايات العام 1996، ومع أهمية وجود وثيقة تحدد صلاحيات السلطة الفلسطينية ونطاق عملها، والسلطات الأساسية التي تكون جسم السلطة، إلا أن الرئيس عرفات لم يكن مهتماً بهذه الخطوة في تلك المرحلة.
وفي العام 1998 وعلى إثر تزايد الضغط الدولي الحاد في هذا السياق، تم تعيين لجنة شرعت في صياغة القانون الأساسي الفلسطيني، خصوصاً وأن هذه الفترة تتزامن مع نهاية المرحلة الإنتقالية وبدء مفاوضات الوضع النهائي، وبالفعل تمكنت هذه اللجنة ومن صياغة سبع مسودات للدستور.
وفي العام 2002 وعلى أثر تزايد حدة الضغط الدولي والداخلي أعلن القانون الأساسي الفلسطيني.
ومن الملاحظ أن معظم الدساتير العربية الموضوعة في ظل نظام معين تأتي متأثرة بالنظام السياسي إلى أبعد حد، لكن القانون الأساسي الفلسطيني فقد جاء بمنأى عن أية تأثيرات سياسية، كما يوصف القانون الأساسي الفلسطيني بأنه الوثيقة الأكثر لبيرالية بالمقارنة مع الدساتير العربية الأخرى.
في العام 2003 وتحت تزايد الضغط الدولي تم تعديل القانون الأساسي، وابتداع منصب رئيس الوزراء، وبالمقابل تم تقليل صلاحيات رئيس السلطة الفلسطينية.
في العام 2005 عدل القانون الأساسي مرة أخرى، لكن وللأسف تعامل المعظم مع نسخة 2003 دون الأخذ بعين الإعتبار التعديلات الجديدة.
وفي هذا السياق أشار البرفيسور بروان إلى أن الدستور الفلسطيني قد يعمل بفعالية أكبر إذا ساهم المجتمع الدولي ومؤسسات المجتمع المدني في صياغته، وفي هذا الإطار لابد من إشراك حماس في هذه العملية، كما يجب أن يتخذ الدستور شكل صفقة تعقد بين الحكومة والشعب.
أما على صعيد المحور الثالث فأشار البرفيسور بروان إلى أن العمل بمواد الدستور قد يكون في مسألة في غاية الأهمية وذلك في حالة تغير توزانات القوى، وعندما تكون مواد الدستور جزءاً من السياسة العامة.
وأوضح البرفيسور بروان بأن هناك مواد دستورية كثيرة معطلة في العديد من الدساتير، فعلى صعيد الدستور الفلسطيني فالمواد المتعلقة بالمحكمة الدستورية، والرقابة القضائية على سير عملية الإنتخابات، موجودة من الناحية النظرية فقط.
إن وجود مثل هذه المواد الدستورية المعطلة لقي أصداء معارضة في كثير من دول العالم ففي فرنسا تم انتقاد الدستور بشدة من قبل أحزاب اليسار، وفي الولايات المتحدة شكل حزب خصيصاً لتوجيه النقد لمواد الدستور، كما يجب أن لا ننسى أبرز مثال في العالم العربي وهو ما حدث في مصر على إثر انتخابات 2005.
وعلى صعيد الوضع الفلسطيني فقد عارضت حماس بشدة نصوص القانون الأساسي الفلسطينيي، ولكن بعد أن اعتلت سدة الحكم فإن موقفها قد تغير كثيراً وأصبحت تدعي أنها صاحبة الشرعية الدستورية وعليها أن تستبعد أي عنصر غريب من الحكم.
وفي هذا السياق أشار البرفيسور بروان إلى أنه وفي ظل الوضع الجديد المترتب بعد انتخابات العام 2006، يمكن القول بأنه قد تمت خيانة فتح بشكل كبير، وذلك لإن معظم الصلاحيات مركزة بيد رئيس الوزراء الذي ينتمي لحركة حماس.
لقد أفرز هذا الوضع نتائج غاية في الخطورة أبرزها تعطيل مواد كثيرة في القانون الأساسي الفلسطيني، وتشكيل كيان سياسي قائم بذاته في غزة يدعي لنفسه الشرعية الدستورية.
وفي رأي البرفيسور بروان فإن السبيل لإصلاح دستوري شامل في فلسطين هو توافق كل من فتح وحماس
على صيغة دستورية ملائمة تمثل مصالح كافة أطياف الشعب الفلسطيني، كما لابد من تحديد آلية معينة للتغلب على مسألة وجود مواد دستورية غير ملائمة.
وفي هذا السياق لا بد أن يحصل كل من فتح وحماس على الدعم الدولي، لتتمكنا من انجاز هذه المهمة ذات الأبعاد الخطيرة.
وأشار البرفيسور بروان إلى أن الدساتير يجب أن لا تعمل لفترة طويلة، كما يجب أن لا تبدأ بالعمل بين ليلة وضحاها، وفي هذا المجال فإن كثيراً من الدول تقوم بإعادة صياغة دساتيرها بين الفينة والأخرى لمواكبة التغير في الظروف والمستجدات.
وفي النهاية وضح البرفيسور بروان أن تشكيل دولة فلسطينية يتطلب صياغة دستور جديد، يمكن العمل عليه على مدى ثلاثة أجيال لحين اكتمال معالم الدولة الجديدة، كما لابد من تأهيل متخصصين في القانون الدستوري لرفد هذه العملية.
وفي هذا اللقاء القانوني كان هناك العديد من المداخلات القيمة والتي كانت على النحو الآتي:
الدكتور كميل منصور/عميد كلية الحقوق والإدارة العامة في جامعة بيرزيت، أشار إلى أن نصوص القانون الأساسي الفلسطيني بعد العام 2006 لم تعطل بشكل كلي، وأنما يمكننا القول بأنها أصبحت خامدة، نظراً لإنه لا يوجد بين ثنايا القانون الأساسي نصوصاً قانونية قادرة على حل الصراعات والخلافات الدستورية عندما تطفو على السطح.
الدكتور أحمد الخالدي/وزير العدل السابق، وعضو في لجنة صياغة الدستور، فأشار إلى جدوى التدخل الدولي في صياغة الدستور الفلسطيني، خصوصاً وأنه كانت هناك محاولة دولية لوضع دستور دولي لفلسطين في العام 1949 لكنها باءت بالفشل، كما أشار في هذا السياق إلى أنه لا بد من التفرقة بين المصلحة الداخلية للفلسطينين والمساعدة الخارجية في وضع الدستور.
الدكتور عدنان عمرو/المستشار القانوني لرئيس السلطة الوطنية فأشار إلى أن الإعتبارات السياسية في فلسطين تغلب الإعتبارات القانونية، فحماس لم تسمح بتطبيق القانون الأساسي كما يجب، كما لا يوجد نص في القانون الأساسي يسمح بحل المجلس التشريعي وإعادة الأمور إلى نصابها، وبالتالي لا بد من وجود خيارات بديلة تمكننا من تفعيل مواد القانون الأساسي من جديد وهذا يتطلب تدخل المجتمع الدولي، وإجراء الإنتخابات الرئاسية المقررة في العام 2009.