معهد الحقوق في جامعة بيرزيت يعقد لقاءً قانونياً حول "متطلبات الانفكاك عن الاحتلال الإسرائيلي – جوانب قانونية واقتصادية وسياسية وأمنية"
بعنوان "متطلبات الانفكاك عن الاحتلال الإسرائيلي – جوانب قانونية واقتصادية وسياسية وأمنية" بالشراكة مع مؤسسة كونراد أديناور، وبحضور حشد من أساتذة وطلبة الجامعة ومشاركين من المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني. وقد تحدث في اللقاء كل من: أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت د. باسم زبيدي، والخبير الإقتصادي د. نصر عبد الكريم، مدير برنامج مؤسسة "الحق" الأستاذ تحسين عليان، ومدير المركز الفلسطيني للبحوث والدراسات الاستراتيجية د. محمد المصري.
افتتح اللقاء أستاذ القانون الدولي الباحث في معهد الحقوق د. مصطفى مرعي، مرحبا بالحضور والمتحدثين المشاركين، ومشيراً إلى أن المجلس المركزي الفلسطيني تبنّى في اجتماعه الأخير قرار بالانفكاك عن الاحتلال، دون تفاصيل، وطلب من اللجنة التنفيذيّة والحكومة البدء في التنفيذ. وأضاف مرعي أنّ مسألة الانفكاك عن الاحتلال تحتاج إلى التطرق لكافة القضايا التي تمس حياة المواطنين، وليس فقط إلى القضايا القانونية والاقتصادية والسياسية والأمنية. فالاحتلال يمس كل جوانب حياتنا. وأشار د. مرعي إلى أنّ هذا اللقاء لا يسعى للإجابة على كل التساؤلات بخصوص الانفكاك، بقدر السعي لإثارة الموضوع، والتمهيد لمتابعات لكل الجزئيات والقضايا الشائكة ذات العلاقة، في كل القطاعات، وهذا واجب يقع على الأفراد والمؤسسات، الأهلية والأكاديمية والحكومية على حد سواء.
وفي مداخلته في الجانب السياسي، أكد د. باسم زبيدي على ضرورة إثارة رزمة اسئلة لدى الحديث عن الانفكاك أهمها: هل نتحدث عن انفكاك عن الاحتلال أم عن الاتفاقيات الموقعة مع اسرائيل، وهل يكون الانفكاك من طرف واحد ورغما عن إسرائيل؟ وكيف ننجح في تحقيق مرادنا؟ وما الأولويات؟ وكيف يمكن للانفكاك أن لا يصب في مصلحة الاحتلال، لا سيما وأن الاحتلال يسعى للانفكاك أيضاً، على طريقته؟ وكيف سيؤثر الانفكاك على الصفقة السياسية المعروفة باسم "صفقة القرن؟ واوضح زبيدي أن الانفكاك عن الاحتلال يتطلب الانفكاك عن كل حالات التجزئة والتشرذم في مجمل الحالة الفلسطينية وليس فقط بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ومراجعة شاملة، وتأسيس ميثاق جامع وشامل، كما أشار لضرورة دراسة امكانية تبني خطاب حقوقي مدني عصري، كون العالم أصبح يهتم بقضايا الإنسان أكثر من الاهتمام بالحدود. وفي الختام شكّك زبيدي بجاهزيتنا لتحمل تبعات الانفكاك في ظل الحالة الراهنة والقيادة الحاليّة.
الأستاذ تحسين عليّان تناول الجانب القانوني الحقوقي، مشيراً أولاً إلى ضرورة الحديث عن انهاء الاحتلال بدل الانفكاك، وذلك لأنه كان هناك انفكاك في غزة، ورأينا النتائج، ومن بينها الاحتلال المستمر. فإن ابقينا على الحديث عن الانفكاك، كيف نضمن أن لا تكون النتيجة تحلل إسرائيل من التزاماتها كقوة احتلال؟ يضاف لهذا أنه من غير الواضح اذا كان الحديث عن انفكاك للبشر أو انفكاك للجغرافيا؟ وأي جغرافيا؟ وأضاف الأستاذ عليّان أنّ حالة حقوق الإنسان داخليّاً، وفشل المؤسسة الرسمية في اتباع نهج حقوقي في العمل على انهاء الاحتلال مترابطان، ولهذا لا بد من تصويب النهج السائد، بحيث فلسطينيّاً تحترم حقوق المواطن، وبنفس الوقت يتم اتخاذ القانون الدولي معياراً في عملنا لإنهاء الاحتلال. هكذا نقوي الجبهة الداخلية ونتوجه للعالم بنهج حقوقي واضح. أخيراً، أشار المتحدث إلى أنّ القانون الدولي وضع سقوفاً وضوابط للاحتلال ولإنهائه، وبعض الحماية ولو كانت قليلة لحقوق مواطني الأرض المحتلة، وهذه الضمانات - رغم تدنّيها - لا يجوز بأي حال تجاوزها.
ثم تناول الدكتور نصر عبد الكريم الجانب الاقتصادي من مسألة الانفكاك، مشيراً إلى أنّه لا بد من فهم ما أوصلنا للوضع الحالي قبل الحديث عن انفكاك، فإن اتفقنا على الأسباب والظروف نعرف أي منها نواجه وكيف. فصحيح أنّ خطط الاحتلال منذ بدايته سبب رئيس في الارتباط مع الاحتلال بشكل وثيق، لكن هذا الارتباط تم توثيقه من خلال اتفاق أوسلو وما تبعه، بحيث صار الارتباط مع الاحتلال شبه كامل. ثم، تم فلسطينياً تبنّي نهج اقتصاد "حر"، أفاد قلّة، وآذى العموم ولم ينجح في تعزيز حالة الصمود، رغم مليارات من الدولارات من مساعدات دولية وضرائب. بالتالي الحديث عن انفكاك لا بد أن يسبقه دراسة السيناريوهات الممكنة، بداية من الإبقاء على الوضع الحالي ونهاية بالمواجهة الشاملة. وفي كل حال، أضاف د. عبد الكريم، من الضروري تحقيق السيادة السياسية، كي يتحرّر الاقتصاد وينفك عن سيطرة الاحتلال.
وفي مداخلته بيّن د. محمد المصري صعوبة الحالة والحديث عن الجانب الأمني، فالأمن ليس جانبا محبوبا عموما. لكن الأمن ضرورة، والعلاقات الأمنية لا ينظر إليها بمعزل عن السياسة، والأمني محكوم بالسياسي ويأتمر بأمره وينفذ قراراته. وقوتنا في الجانب الأمني، وهي مصدر قوة وسلاح استراتيجي، لا يستخدم قبل حالة اللاعودة. وبالتالي ما لم تفقد القيادة تمسكها، بشكل نهائي، بخيار المفاوضات، لن تقطع القناة الأمنية وتستخدم هذا السلاح الاستراتيجي. والقيادة غير متمسكة بالمفاوضات لأنها ترى فيه نجاحات، بل لأن هناك ضغوطات دولية وعربية، ولأن العالم لا يسمح بتبعات مواجهة فلسطينية شاملة مع الاحتلال. لكن في النهاية، رغم الضغوط وإدراك القيادة للمخاطر، إنّ المعركة قادمة شئنا أم أبينا، وعلينا التحضير لها، برؤية سياسية وتوافق.
في نهاية اللقاء، تضمن اللقاء تفاعلاً بين المتحدثين والحضور، وجرى التأكيد على الحاجة لمتابعة النقاش في كثير من الجزئيات والموضوعات، سواء تحت مظلة الجامعة أو المؤسسات المختلفة ذات العلاقة. كما تم الإقرار بأهميّة نقاش موضوعات من هذا القبيل في الجامعة، إسهاماً في تطوير ورسم السياسات الوطنية من جهة، ولإتاحة الفرصة لمجتمع الجامعة وطلبتها خصوصاً للتعرّف على ونقاش الأحداث الكبرى فلسطينياً، ولإغناء تجربتهم وتعليمهم.